كانت المساعدات العسكرية هي الأداة الرئيسية التي اقتحمت بها "إسرائيل" الساحة الإثيوبية، وذلك لتحقيق أهداف تتنوع بين الاقتصاد والسياسة والجيوسياسة، حتى أصبحت واحدة من أكبر موردي المساعدات العسكرية إلى إثيوبيا.

في خضم المعارك - المستمرة منذ أواخر العام الماضي - بين القوات الفيدرالية الإثيوبية من جهة وقوات جبهة تحرير شعب تيغراي من جهة أخرى، في إقليم تيغراي المهم أقصى شمال البلاد، مرّ خبر لافت مرور الكرام، ألا وهو تنفيذ وحدات الجيش الإثيوبي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عملية خاصة لإجلاء 9 إسرائيليين كانوا متواجدين في هذا الإقليم إلى خارج البلاد. ألقى هذا الخبر الضوء على العامل الإسرائيلي المستتر في المعادلة الإثيوبية، والذي أصبح تدريجياً من العوامل الأساسية على المستوى العسكري والاقتصادي في هذه الدولة.

وعلى الرغم من أن الإسرائيليين التسعة كانوا يعملون ضمن شركات إسرائيلية تنفذ مشروعات في مجالي الري والزراعة، فإن طبيعة عمل هذه الشركات، وخصوصاً في ظل تصاعد أزمة ملف سد النهضة، ربما تحمل معاني مهمة في هذا التوقيت، ناهيك بأن الدور الإسرائيلي في دعم أديس أبابا على المستوى العسكري بات متصاعداً بشكل باتت آثاره واضحة في الواقع الحالي للجيش الإثيوبي، سواء على مستوى التسليح أو التدريب.

يعد الجانب البحري من أهم الجوانب التي ترى تل أبيب أنها من الممكن أن تروج من خلالها لمنتجاتها، سواء في إثيوبيا أو في دول أفريقية أخرى، وخصوصاً أن إثيوبيا لها تجربة مريرة في هذا الصدد، فقد تم تأسيس سلاح البحرية الإثيوبي في العام 1955، وامتلك على مدار تاريخه نحو 40 قطعة بحرية، ولكن، وبسبب تداعيات استقلال إريتريا وفقدان إثيوبيا ساحلها الوحيد، توزعت هذه القطع بين البحرية الإريترية وموانئ اليمن والسعودية وجيبوتي، إلى أن تم حل سلاح البحرية الإثيوبي بشكل رسمي منتصف العام 1996، بعد أن تبقت قطعة بحرية واحدة من أسطوله، وهي عبارة عن زورق للدورية، تم نقله عن طريق البر للعمل في بحيرة تانا شمال غرب البلاد.

صدر عن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في نيسان/أبريل 2018 تصريح مفاجئ تحدث فيه عن بدء بلاده بإعادة النظر في قرار حل سلاح البحرية، وتبع ذلك تصريح لرئيس الأركان الإثيوبي السابق في العام نفسه، قال فيه إن بلاده تتشاور مع عدة دول من أجل إعادة تفعيل سلاح البحرية الإثيوبي، وتحديد إمكانية استغلال موانئ جمهورية أرض الصومال أو جيبوتي لتكوين قاعدة لعمل الوحدات البحرية الجديدة لإثيوبيا، وهي مهمة تراهن تل أبيب على أنها تستطيع مساعدة إثيوبيا فيها وتزويدها بزوارق الهجوم السريع وزوارق الدورية الساحلية الإسرائيلية الصنع، ما سيساهم بشكل كبير في إنعاش الصناعات العسكرية الإسرائيلية التي أشرت في مقالة سابقة إلى أنها قد تعاني ركوداً خلال السنوات المقبلة.

تفكر تل أبيب أيضاً في دعم سلاح الجو الإثيوبي الذي يمتلك بين 86 و95 طائرة عاملة من مختلفة الأنواع، موزعة على 9 أسراب. من ضمن هذه الأعداد، لا يوجد سوى 24 مقاتلة قاذفة، بواقع 10 مقاتلات قاذفة من نوع "ميج-23" سوفياتية الصنع، و 14 مقاتلة متعددة المهام من نوع "سوخوي 27" تسلمتها في العام 2004 مستعملة من سلاح الجو الروسي. 

هذا الدعم قد يأتي على شكل تطوير أنظمة هذه الطائرات، ولتل أبيب خبرة في تطوير أنظمة الطائرات الشرقية المنشأ في كل من الهند وإثيوبيا، وقد يأتي على شكل دعم تسليح هذه المقاتلات أو حتى تزويد سلاح الجو الإثيوبي ببعض المقاتلات الإسرائيلية التي يراد إخراجها من الخدمة، مثل بعض نسخ مقاتلات "أف – 16".

يضاف إلى ذلك الجانب المتعلق بالطائرات من دون طيار، فإثيوبيا تطور بالفعل، بالتعاون مع "إسرائيل"، برنامجاً للطائرات الاستطلاعية من دون طيار تحت اسم "إم دي إيه في". ويتوقع في هذا الصدد أن تتزود أديس أبابا بطائرات إسرائيلية من دون طيار من عائلة "هيرميس"، إلى جانب الذخائر الجوالة الإسرائيلية الصنع التي كانت لها مؤخراً تجربة مهمة في إقليم ناغورنو كاراباخ.

 هذا التعاون قد يمتد إلى الدفاع الجوي. وقد ذكر موقع "ديبكا" الإسرائيلي سابقاً أن تل أبيب عرضت على إثيوبيا منظومات "سبايدر - أي أر" للدفاع الجوي القريب، لكن لم تتوفر حتى الآن دلائل موثوقة تشير إلى حصولها على هذه المنظومات. ومن الواضح في هذا الصدد أن تل أبيب تحاول استغلال التوترات القائمة بين إثيوبيا من جهة، والسودان ومصر من جهة أخرى، على خلفية عدة ملفات، على رأسها ملف سد النهضة والخلاف الحدودي مع السودان حول منطقة الفشقة، للترويج لمنظوماتها القتالية وأسلحتها.

أخيراً، نستطيع أن نقول إن التعزيز الواضح في العلاقات بين الجانبين يأتي في سياق توجهات إسرائيلية أكبر نحو أفريقيا، ففي العام 2016، أعلن بنيامين نتنياهو عن سياسة جديدة لتل أبيب في أفريقيا، عنوانها العريض هو "العودة إلى إفريقيا"، بهدف توسيع علاقاتها مع دول مثل إثيوبيا وبدء علاقات جديدة مع دول أخرى في القارة، وهو توجه تعزز بتطور علاقات تل أبيب مع دول مثل السودان وكينيا وغيرها.

لكن في ما يتعلق بإثيوبيا، تتسم التحركات الإسرائيلية – إلى جانب الانتهازية - بالمغامرة بتلقي ردود فعل غير متوقعة من جانب مصر والسودان، فالأولى ترى في ملف سد النهضة مسألة حياة أو موت، وتمتلك القدرة على اللجوء إلى خيارات أكثر عنفاً لحل هذه المسألة، والأخرى مترددة في الأساس في المضي قدماً في تطوير علاقاتها مع تل أبيب. وقد يساهم أي تصاعد جديد للدور الإسرائيلي في إثيوبيا في إبطاء أو حتى إنهاء التوجهات التطبيعية الحالية للخرطوم.